أصدر مركز “كارنيجي للشرق الأوسط“، تقريراً حول تعهد مصر لصندوق النقد الدولي بتقليص دور الجيش في الاقتصاد، من أجل الحصول على القرض، والذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار.
إخضاع اقتصاد الجيش للرقابة
وأكد المركز في التقرير، أن مجرّد قبول الحكومة المصرية بإدراج الشركات العسكرية رسميًا تحت سقف اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، بل وبإخضاعهم إلى القواعد الضريبية وقواعد الإبلاغ المالي، هو أمر يخطف الأنفاس، ولكنه قد لا يتجاوز كونه “نسيجًا من الخيال”.
وأضاف التقرير: “تدل مراجعة لتوسع النشاط التجاري العسكري منذ يونيو الفائت فحسب، على سبيل المثال لا الحصر، على أن الشركات والهيئات العسكرية لم تتأخر في نقض وعد الحكومة بأن “تأسيس الشركات الجديدة المملوكة للدولة ينبغي أن يستند بصورة شفافة إلى سياسة ملكية الدولة”.
وتابع: “مسألة أخرى ستولّد دفعًا عسكريًا معاكسًا بالتأكيد هو تشديد صندوق النقد على ضرورة الإفصاح الصحيح عن الديون والمستحقات. فيلحظ تقرير الصندوق عجزه عن تقدير الاستحقاقات المترتبة على آلاف الصناديق “الخاصة” التي يحتفظ بها الكثير من هيئات الدولة، والتي لا بد من شمولها في الإفصاح عاجلًا أم آجلًا، ولكن تتمسّك الهيئات العسكرية بصناديقها الخاصة وبسريّتها بشدة بالغة للغاية”.
يُضاف إلى ما سبق أن “المقاومة العسكرية” هي بالتأكيد السبب الرئيس في التأخير المستمر في تعويم الشركات العسكرية من خلال البورصة المصرية أم بيع أسهمها من خلال صندوق الثروة السيادي المصري.
وقال تقرير كارنيجي، أن ذلك يخالف تبنّي السيسي المتكرر والعلني لهذا الخيار منذ العام 2018 (إن لم يكن منذ العام 2016)، والإعلان منذ ثلاث سنوات عن البدء بتحضير عرض عشر شركات عسكرية في السوق.
كما يخالف تصريحات حكومية رسمية بقرب عرض شركتَي “الوطنية” لمحطات الوقود و”صافي” للمياه المعدنية على رأس القائمة.
ولقد قيل الكثير عن اهتمام المستثمرين “الاستراتيجيين” الخليجيين بشراء “الوطنية”، ولكن يظهر أنه يتم تجريد أصولها لصالح شركة “تشيل آوت” الشائعة في كل مكان، التي تستبدل محطات “الوطنية” بمجمعات بيع الوقود والخدمات والمأكولات وغيرها، ومن شأن ذلك تقليل جاذبية “الوطنية” للمستثمرين الخليجيين.
أكمل التقرير: “إلى جانب معارضتها فقدان السيطرة على أصولها الاقتصادية، تعارض الجهات العسكرية كذلك التقيّد بمدى الإفصاح المالي الذي سيترتب بالضرورة على عرض أسهمها للبيع، ولو البيع الجزئي”.
وبحسب التقرير، تدل التجارب الماضية على أرجحية أن تستغل الحكومة كل منفذ ومهرب لتؤخر تنفيذ بنود اتفاقها مع صندوق النقد، وأن تماطل ما تستطيع في جميع المجالات.
وأضاف: “المُلفت أن لا الرئاسة ولا الحكومة قد قامت بالتمهيد السياسي المُكثّف اللازم لإقناع مختلف الأطراف المحلية بتمرير المشروع الواسع النطاق والبعيد الآثار الذي تمثّله سياسة ملكية الدولة الجديدة”.
ثم قال: “سوف يتعرّض الاتفاق مع الصندوق إلى التأخير والتخفيف المتكرر، ما قد يجعله طموحًا أكثر منه واقعًا”.
سيطرة الجيش
كان صندوق النقد الدولي أصدر في 10 يناير 2023 تقريرًا يوضّح فيه الالتزامات التي قطعتها الحكومة المصرية على نفسها مقابل الحصول على قرض جديد من الصندوق قيمته حوالى 3 مليارات دولار، هو الرابع الذي حصلت عليه مصر منذ العام 2016.
وعلى الرغم من إعلان الاتفاق الأولي في 27 أكتوبر 2022، فقد استغرقت المباحثات لتحديد نطاقه الكامل عشرة أشهر.
يذكر أنه منذ وصول “السيسي” إلى السلطة عام 2014، بعد الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الراحل “محمد مرسي”، بدأت سيطرة الجيش على الاقتصاد تتوسع بشكل غير مسبوق، حتى أصبحت شركاته تعمل في كافة القطاعات الاقتصادية تقريبا.
ويقدر تقرير سابق في مركز كارنيجي، أن الكيانات المرتبطة بالجيش حققت ريعا عام 2019 ما بين 6- 7 مليارات دولار، ما يجعله يدافع عن استمرار هذه المداخيل المالية مهما كان الثمن.
وبحسب كارنيجي، هذا الأمر، أدى لتدهور القطاع الخاص المصري، بسبب عدم قدرته على المنافسة مع المؤسسة العسكرية التي تتمتع بامتيازات اقتصادية هائلة، أبرزها وجود عدد ضخم من القوى العاملة شبه المجانية، والإعفاء من الضرائب والرسوم والتصريحات اللازمة لممارسة أي نشاط اقتصادي في مصر.
وسبق أن عبر رجال أعمال مصريون وأجانب عن تبرمهم من هذا الوضع، أبرزهم الملياردير “نجيب ساويرس”، والذي تعرض لهجمات إعلامية بسبب هذا الرأي.
زر الذهاب إلى الأعلى