طلب النظام المصري معونة مالية من دول خليجية، بحسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية، تزامنا مع اقتراب البلاد من شفا كارثة اقتصادية جديدة، في ظلّ عجز متعاظم في الميزانية لم تَعُد القروض المتكاثرة نفسها تكفي لسدّه.
شروط “الرزّ” الخليجي
وذكرت الصحيفة أن المعونة لن تكون بالمجّان، بل هي مرهونة بشروط من بينها بيع أصول الدولة للسعوديين والإماراتيين، مقابل الحصول على “الرز”.
ولفتت الأخبار إلى غياب رؤية استراتيجية للتعامل مع وضع اقتصادي آخذ في التدهور، حيث تستمرّ الأزمات المعيشية في سحق المصريين، بدءاً من تدهور سعر الصرف وانهيار القدرة الشرائية وتبدّد المدّخرات، مروراً بالغلاء المستمرّ في أسعار السلع والخدمات بما فيها السكن والكهرباء، وليس انتهاءً بالإجراءات والقيود التي من شأن استمرارها تهشيم ما تبقّى من الصناعات المحلّية.
وألمحت الصحيفة إلى استمرار الأزمات المعيشية التي تطحْن المصريين، بدءاً من تدهور سعر الصرف وتقهقر القدرة الشرائية وتبدّد المدّخرات، مروراً بالغلاء المستمرّ في أسعار السلع والخدمات بما فيها السكن والكهرباء، وليس انتهاءً بالإجراءات والقيود التي من شأن استمرارها تهشيم ما تبقّى من الصناعات المحلّية
وعود السيسي
وأكدت أنه ومنذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، يَعِد عبد الفتاح السيسي بتحسين الأوضاع الاقتصادية. لكن لم يكد عامان يمرّان على تلك الوعود، حتى نُكب المصريون بكارثة اقتصادية جديدة، حمّل السيسي مسؤوليّتها لعاملَين: أوّلهما تركة نظام حسني مبارك الثقيلة، وثانيهما الفوضى التي رافقت صعود الرئيس الحالي إلى الحُكم. وبعدما خرج المصريون، في عام 2012، في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، محتجّين على وصول سعر صرف الدولار إلى نحو 7 جنيهات، ورافضين تحريكاً طفيفاً في أسعار المحروقات، وسط تَوجّه حكومة «الإخوان»، آنذاك، إلى الاقتراض من «صندوق النقد الدولي» بقيمة نحو 6 مليارات دولار، قفزت قيمة القرض نفسه، بعد أقلّ من عامين فقط، مع وصول السيسي إلى السلطة، إلى 12 مليار دولار، بالإضافة إلى عشرات القروض الأخرى التي ارتفعت بديون مصر إلى 145 مليار دولار، بعدما كانت نحو 35 ملياراً في عام 2011، وأقلّ من 55 ملياراً في عام 2014. ولا تتوافر معلومات كافية حول هذه الديون، التي يمتنع البنك المركزي عن تبيان ما إذا كانت شاملة ديون الهيئات الاقتصادية المختلفة والبنوك الحكومية أم لا، وما إذا كانت متضمّنة أيضاً قيمة قرض الـ25 مليار دولار من روسيا، الخاصّ بإنشاء مفاعلات الضبعة النووية، وهو واحد من المشروعات التي تتكتّم الحكومة على تفاصيلها المالية بشكل كبير، في ظلّ غياب البيانات حول ما جرى الحصول عليه بالفعل، وما تمّ إرجاؤه، خصوصاً مع عدم الالتزام بالجدول الزمني لتنفيذ المشروع حتى الآن.
تعويم الجنيه
وعلى رغم تراجع قيمة (تعويم) الجنيه تدريجياً أمام الدولار خلال العقود الماضية، إلّا أن الانهيار الحاصل اليوم يبدو مختلفاً. فالمشاريع التي تمّ تنفيذها لا تعود بفوائد تُعادل ما جرى اقتراضه من أجلها، فيما النظام غير قادر على إدارة الوضع الاقتصادي من دون مسكّنات مرحلية، وسط غياب الرؤية الشاملة المتناسبة مع ضخامة الاقتصاد المصري، الذي أصبح رهينة الإعانات الخليجية، التي انتهى زمنها هي الأخرى، لا لأسباب سياسية فقط، بل وأيضاً لشعور أنظمة الخليج بأن استثماراتها لا تدرّ أيّ عوائد ذات قيمة عليها. وكان نظام السيسي استبدل بالدعم القطري الذي كان قائماً إبّان حُكم «الإخوان»، الدعم السعودي – الاماراتي – الكويتي، الذي اتّخذ شكل ودائع من دون فوائد لعدّة سنوات، أو مساعدات غازية وبترولية لتغطية العجز في مصر، الناجم عن تخلّف الحكومة عن سداد التزاماتها للشركات الدولية، الأمر الذي صعّب عليها الاستيراد. بالتوازي مع ذلك، جرى التوسّع في تنفيذ المشروعات من دون دراسة عوائدها، كما في حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس خلال عام واحد، ومشاريع الطرق والكباري» التي كلّفت مليارات الدولارات ونُفّذت في زمن قياسي، في وقت قرّر فيه الرئيس رفع الدعم عن جميع فئات الشعب وزيادة الضرائب والرسوم بصورة غير مسبوقة.
تبديد مدخرات المصريين
وبحسب الصحيفة بدّد السيسي مدّخرات المصريين وتسبّب في إضعاف الجنيه بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة
وأضافت أن السيسي، الذي كان يُفترض أن تنتهي مدّة رئاسته في عام 2022 قبل أن يعدّل الدستور على نحو يتيح له البقاء حتى عام 2030 على الأقلّ، حاول ترسيخ اسمه ومكانته على حساب الاقتصاد المصري. صحيح أنه قام ببناء العاصمة الإدارية الجديدة من خارج موازنة الدولة، لكن الأموال التي ضُخّت فيها غالبيّتها من الداخل وليس الخارج. كما أن التوسّع في المشاريع العقارية أحدث قفزة غير مسبوقة في الأسعار، ومن دون مبرّر، سوى جشع الدولة لجمع مليارات الجنيهات من المواطنين الراغبين في التملّك، والذين جرى منعهم من البناء على نحو منفرد إلّا في أضيق الحدود.
يُضاف إلى ما تَقدّم تبديد مدّخرات المصريين، جرّاء الانخفاض المتواصل في سعر العملة المحلّية، وانخفاض قيمة الفائدة الفعلية على الرغم من تسجيلها 18 و20%، فضلاً عن رفع الأسعار لتكون تقريباً معادِلة للأسعار العالمية، بما فيها أسعار الكهرباء والمحروقات وحتى الخدمات، في وقت انخفضت فيه قيمة الحدّ الأدنى للأجور إلى أقلّ من 153 دولاراً، حتى مع زيادته رقمياً قبل أيام. وفي مقابل طلب السيسي من المصريين تحمّل الظروف الاستثنائية والأوضاع الصعبة عالمياً، لم يتحرّك نظامه للتخفيف عن المواطنين حتى في عزّ تلك الأزمات.
زر الذهاب إلى الأعلى