رصد الباحث والأكاديمي د/ عصام عبد الشافي، نتائج أحداث 11 سبتمبر 2001، بعد 21 عاماً من وقوعها.
أحدث 11 سبتمبر
وتعرضت الولايات المتحدة في ذاك التاريخ لاستهداف برجي مبنى التجارة العالمية (رمز القوة الاقتصادية الأمريكية) ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (رمز القوة العسكرية الأمريكية) وسقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، وإعلان الإدارة الأمريكية عن خوض ما أسمته “الحرب الدولية ضد الإرهاب”.
وأوضح عبد الشافي أنه خلال هذه السنوات ومع تعاقب أربعة رؤساء على إدارة الولايات المتحدة (جورج بوش الابن، باراك أوباما، دونالد ترامب، جو بايدن) ظلت ذكرى الحدث حاضرة، ومع كل إدارة من هذه الإدارات تفاوتت المواقف والسياسات، سواء من الحدث أو من كيفية التعاطي معه.
ماذا عن عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001؟ وهل كانت أحداث سبتمبر مفصلية في تاريخ أمريكا والعالم؟
وفي إجابته على التساؤل أضاف: “يتم التمييز في إطار التحولات الأساسية في العلاقات الدولية بين مستويين رئيسيين، الأول الأحداث المهمة التي يكون لها تداعيات على ظهور دول أو سقوط دول، ظهور حركات أو اختفاء حركات، ظهور موجات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية تترك تأثيراتها على قطاعات واسعة، من الدول أو الأقاليم. والثاني: الأحداث الجذرية التي تترك تأثيراتها على بنية وهيكل النظام الدولي، ويكون لها دور في انتقال هذا النظام من نمط إلى آخر، من أحادي إلى ثنائي أو إلى تعددي أو العكس، مثل الحرب العالمية الأولى 1914، والحرب العالمية الثانية 1939، ونهاية الحرب الباردة 1991”.
مشيراً إلى أن أحداث 11 سبتمبر 2001 تصنف ضمن المستوى الأول، فهي حدث مهم كانت له العديد من التداعيات وفرض الكثير من التحولات ليس فقط في استراتيجيات الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضاً في توجهات واستراتيجيات العديد من أطراف العلاقات الدولية.
وتابع : “بعد أحداث 11 سبتمبر وفي رد فعل مباشر أعلنت الإدارة الأمريكية عن شن الحرب الدولية ضد الإرهاب، وذكرت أن هذه الحرب لن تكون فقط عسكرية بل ستكون كذلك حرب عقول وأفكار، لمواجهة الظاهرة من جذورها، وهو ما يتطلب تغيير مناهج التعليم في عدد من الدول العربية والإسلامية، وتعزيز دور المجتمعات المدنية، وتبني العديد من الخطوات والإجراءات الهادفة لتغيير الأفكار والتصورات لدى قطاعات واسعة من المسلمين تجاه مفهوم “العدو” والآخر” وإعادة تشكيل الصور الذهنية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وإطلاق مبادرة إصلاح الشرق الأوسط الكبير التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكية آنذاك “كولن باول” عام 2002 ثم تبنتها مجموعة الدول السبع الكبرى لتصبح مبادرة عالمية عام 2004 “.
وأضاف : “في إطار هذه الحرب الشاملة ـ عسكرياً وفكرياً واقتصادياً وأمنياً ـ شنت الولايات المتحدة عدداً من الحروب المباشرة :
قامت بغزو أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، أي بعد أقل من شهر من وقوع أحداث سبتمبر.
قامت بغزو شامل للعراق في 19 مارس 2003.
قامت بعشرات العمليات العسكرية غير المباشرة التي تمثلت في هجمات طائرات بدون طيار، والاغتيالات السياسية التي طالت أهم رموز تنظيم القاعدة مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وكذلك أهم رموز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
شكلت العديد من التحالفات لخوض غمار هذه الحروب وتلك المواجهات.
وتبنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ 2001 وحتى الآن عدداً من المبادئ التي حكمت استراتيجيات أمنها القومي، مثل:
مبدأ بوش القائم على تقسيم العالم إلى محور الخير ومحور الشر والذي يضيق ويتسع وفقاً للرؤية الأمريكية وتوجهاتها الاستراتيجية.
مبدأ الحروب الاستباقية الذي بموجبه تعطي الإدارة الأمريكية نفسها حق التدخل عسكرياً استباقياً في أي دولة أو حركة أو منظمة ليست فقط تلك التي تُهدد الأمن القومي للولايات المتحدة ولكن أيضاً تلك التي تفكر في تهديد هذا الأمن.
مبدأ التدخل الإجباري، الذي يقوم على أن للولايات المتحدة حق التدخل في أي مكان في العالم يشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي أو الأمني أو العسكري، من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين.
مبدأ القيادة من الخلف، ظهر مع تولي أوباما الحكم، حيث الاعتماد على الحلفاء الإقليميين في إدارة الأزمات وتسوية الصراعات الإقليمية، لتجنيب الولايات المتحدة الأضرار المادية والبشرية والخسائر في الصورة الذهنية التي تتعرض لها على خلفية تدخلاتها المباشرة في هذه الأزمات وتلك الصراعات.
مبدأ أمريكا أولاً، الذي جاء به ترامب، وتبني سياسات انعزالية وخروج من منظمات دولية ومطالبة الأصدقاء والحلفاء بدفع تعويضات مقابل الحماية الأمنية والسياسية التي توفرها لهم الولايات المتحدة.
استكمال الانسحاب من أفغانستان، وجاءت إدارة بايدن لتستكمل انسحاباً أمريكياً من أفغانستان بعد غزو واحتلال استمر عشرين عاماً.
ما بعد سبتمبر وما بعد الانسحاب.. ماذا الآن؟
رغم مرور 21 عاماً على أحداث سبتمبر، ورغم ما ترتب عليها من تحولات يمكن القول إن:
العالم لم يعد أكثر أمناً عما كان عليه قبل سبتمبر.
التفاعلات الصراعية لم تعد أقل حدة عما كانت عليه قبل سبتمبر .
هيمن الصراع على العالم خلال هذه السنوات، بمعدلات أكبر.
شهد موجات تحول واسعة في عدد من دول أوروبا الشرقية، وأفريقيا جنوب الصحراء.
الثورات والانتفاضات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها دول الشرق الأوسط منذ 2011.
أفرزت حروباً أهلية دامية، وترسيخ الانقسامات والأزمات في العديد من الدول مثل: سوريا واليمن وليبيا والسودان ولبنان.
لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيق شعارات إعادة بناء الأمم والشعوب ونشر الديمقراطية والرفاهية وتعزيز حقوق الإنسان في الدول والمجتمعات التي استهدفت نظمها وحركاتها فيما أسمته بحربها الدولية ضد الإرهاب.
التدمير الممنهج كان حاكماً .
التفتيت من الداخل، أصبح أكثر رسوخاً وبدلاً من أن تكون الفوضى التي أرادتها “كوندليزا رايس” “فوضى خلاقة” تحولت إلى دمار شامل، وعدم قدرة على التحكم والسيطرة في تداعيات التحولات ومخرجاتها.
من أرادت الولايات المتحدة احتواءهم قبل 21 عاماً ووضعتهم في محور الشر، تمددوا وأصبحوا أكثر تأثيراً عما كانوا عليه قبل سبتمبر 2001.
أعطت الولايات المتحدة بسياساتها لأعدائها ومنافسيها الفرصة للتمدد والانتشار، وأصبحوا لا يهددون فقط هيمنتها على قمة النظام الدولي، ولكن أيضاً أمنها القومي واستقرارها الداخلي.
زر الذهاب إلى الأعلى