
لم يأتِ “ائتلاف شباب الثورة” من فراغ، ولا كان وليد أيام التحرير ولا دعوات التظاهر قبيلها، بل يمكنني القول إني شاهد على أن جذوره تعود لأكثر من 15 سنة قبل 2011، من جهود ومحاولات للتواصل والتنسيق والعمل المشترك، حين بادر طالبان من الإخوان المسلمين بجامعة القاهرة ببدء أول تنسيق بين طلاب الجماعة وطلاب الحركات والأحزاب السياسية في الجامعة، وأثمر ذلك الإعلانَ عن تشكيل أول مكتب للتنسيق السياسي بالجامعة 1997، شارك فيه طلاب الإخوان وطلاب حزب العمل والوفد والاشتراكيون الثوريون والناصريون، ومن الأسماء التي شكلت هذا المكتب التنسيقي محمد القصاص وإسلام لطفي وزياد العليمي وخالد عبد الحميد، وليس مستغرباً أن نجد أن هذه الأسماء قد شاركت لاحقاً في التنسيق لإنجاح دعوات 25 يناير ثم 28 يناير ثم أسهمت في تأسيس ائتلاف شباب الثورة!
وكان هذا الأمر غريباً على طلاب الإخوان وأنا واحد منهم. فقد كانت الثقافة التقليدية والسائدة داخل الأطر التربوية للإخوان تتبنى في الغالب خطاباً سلبياً تجاه التيارات الفكرية والسياسية الأخرى، ونحن لا نحتك بهم أو نراهم عملياً، لذا كان الغالب أن ننظر لمن نلقاه منهم نظرة ارتياب.. لكن هذا اليوم كان نقطة تحول بالنسبة لي، فقد تعرفت حينها أننا لسنا وحدنا من نحب هذا البلد، وإن كان لكل طريقته في ذلك!
ولا أنسى مظاهرة كنت مسؤولاً عنها عام 1998 وحين وصلنا أمام قبة الجامعة لنعقد المؤتمر الإعلامي للمظاهرة، أخبرني القصاص أنه ستكون هناك كلمة لأحد الطلاب اليساريين اسمه زياد العليمي، وكنت أتعجب أن نسمح بمشاركتهم من الأساس! وظللت أشترط على القصاص أنه يجب أن تكون كلمته قصيرة وألا يشتم أو يتلفظ بألفاظ غير مقبولة وإلا سأنهي الكلمة فوراً، والقصاص يهدئني!
بعد التخرج من الجامعة استمرّ أغلبنا كمشرفين على العمل الطلابي، وكذلك استمر بعض الأصدقاء من الحركات السياسية الأخرى في متابعة العمل الطلابي في حركاتهم، وساعد ذلك على استمرار التواصل والتنسيق في محطات مهمة، التي أثمرت الاتحاد الحر ثم اللجنة التنسيقية بين طلاب مصر التي كان ممثل طلاب الإخوان فيها الصديق شريف أيمن، وهناك محطة من أهم محطات التنسيق والعمل المشترك بين القوى السياسية وفي القلب منها الطلاب والشباب، من خلال “مؤتمر القاهرة الدولي”، وكنت قد اقترحت على القصاص أن يكتب مقالاً يوثق فيه خبرة مؤتمر القاهرة لأهميته ونشر عام 2015 في “ملحق جيل” الصادر عن صحيفة العربي الجديد، ومن المفيد الاطلاع عليه مفصلاً.
وبصفة عامة، كان الغالب على العقد الأخير من حكم مبارك وجود حالة عامة من الرغبة في التواصل والتنسيق والعمل المشترك وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة لمواجهة التحديات التي فرضها النظام، بدا ذلك في خط ممتد من المحطات، منها مؤتمر القاهرة منذ 2002 وحركة كفاية 2004 والجبهة الوطنية للتغيير برئاسة د. عزيز صدقي منذ 2005 ومظاهرات 6 إبريل التي شارك فيها طلاب الإخوان منذ 2008 والجمعية الوطنية للتغيير 2010، ثم مظاهرات خالد سعيد وكنيسة القديسين وسيد بلال.
تقدم الزملاء في قسم الطلاب بملحق إجرائي يتضمن خطة للتصعيد وتبني مسار التغيير وليس الإصلاح، وإعلان الجماعة بوضوح موقفها من النظام وإسقاط شرعيته وأنه غير جاد في الإصلاح
وهذه المحطات في مجموعها، حتى في ظل الأسقف المنخفضة للقوى السياسية أحياناً ورغم إخفاقاتها أحياناً، كانت عوامل مهمة في تشكيل حالة مختلفة للمعارضة وبلورتها، وأخص بالذكر هنا قطاع الشباب داخل هذه القوى، بل تفاعل وانخراط قطاع واسع من الشباب عموماً في المجال العام بصورة ساعدت في وصولنا لإنجاز “يناير”، وتشكل نواة صلبة من مجموعات شبابية سياسية ذات خلفيات متنوعة، استطاعت تلقف فكرة الدعوة للتظاهر في عيد الشرطة ضد قمع الأجهزة الأمنية لمبارك والتي تطورت لتصبح دعوة للثورة ضد نظام مبارك كله.
(1)
في لقاء مع أحد أعضاء مجلس شورى الإخوان على خلفية قرار مكتب الإرشاد بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب 2010 كان خلاصة رده على الاعتراضات والمخاوف التي أبديتها: مشكلتكم انكم فاكرين إن الانتخابات دي ياما هنا وياما هناك، في الآخر يا هاني دي انتخابات زيها زي غيرها، لا لها علاقة بالتوريث ولا لها أي تأثير خاص. فقلت له: مع احترامي لك يا دكتور، إذا كان هذا الكلام هو تقدير الجماعة الحقيقي للوضع السياسي في البلد الآن، فيمكنني القول إن حسني مبارك وعصابته لا يحتاج أي شيء ليدوس بجزمته على البلد ومن فيها، إلا وجود كيان بحجم الإخوان المسلمين يفكر بهذه العقلية.
كنت حينها، مثل عدد كبير من قواعد الجماعة يرون خطأ هذا القرار، وتأثيراته الخطيرة على الوضع السياسي في البلد في ظل مقاطعة القوى السياسية، خاصة شركاءنا في الجمعية الوطنية للتغيير، التي كنا نجمع توقيعات على بيانها حتى وقت قريب! وأن المشاركة ستعطي مشروعية للانتخابات التي يعرف الجميع أنها سيتم تزوريها بشكل واسع لأنهم يريدون البرلمان القادم متسقاً ليقوم بدوره في تمرير ملف التوريث في حال حسمت زمرة مبارك القرار بإنفاذه في وقت قريب..
لكن إضافة لذلك، فقد كان هذا الكلام صدمة مركبة بالنسبة لي كوني أسمعه من أحد رموز الإصلاحيين في الجماعة!
“في المشمش”.. عنوان المرحلة
كان الزملاء في اللجنة السياسية والإعلامية بقسم الطلاب في الإخوان (محمد القصاص وأحمد عبد الجواد وإسلام لطفي ومحمد عفان وآخرون سأحتفظ بأسمائهم..)، قد تقدموا لمكتب الإرشاد في وقت مبكر -كان ذلك في شهر يونيو/ حزيران 2010 تقريباً، قبل تأكد نية النظام في التزوير وإعلان إجراءاته التي أدت لمقاطعة القوى السياسية للانتخابات – بمقترح تفصيلي للتعامل مع ملف الانتخابات، وتضمن هذا المقترح رؤية لجعل الانتخابات محطة مفصلية في الصراع مع نظام مبارك، وبناء كتلة معارضة قوية تعزز من الجهود التي بذلت في بيان التغيير وتبني على مشاركة الجماعة في الجمعية الوطنية للتغيير، وكذلك تكون أداة لتضييق الخناق على النظام في حال لجأ لتزوير فج واتخاذ إجراءات محلية ودولية لفضحه وتقويض سلطته.

لكن مكتب الإرشاد رفض الاقتراح، وشاركت الجماعة وحزب الوفد في الانتخابات خلافا لموقف القوى السياسية التي تحالف معها في الأمس القريب جدا في “بيان التغيير”، ثم كان التزوير الخشن الذي اضطر الجماعة لإعلان الانسحاب من الجولة الثانية.
لم يقف إحباط “في المشمش” على ملف الانتخابات وحدها، بل كانت عنوانا جديرا بالعديد من علامات الاستفهام الكبيرة والقرارات غير المفهومة أو المبررة..
فتقدم الزملاء في قسم الطلاب بملحق إجرائي يتضمن خطة للتصعيد وتبني مسار التغيير وليس الإصلاح، وإعلان الجماعة بوضوح موقفها من النظام وإسقاط شرعيته وأنه غير جاد في الإصلاح، والضغط لتعديل الدستور وإعادة الإشراف القضائي والرقابة الدولية كضمانات لانتخابات رئاسية نزيهة في 2011، والحوار مع القوى الوطنية والأحزاب من أجل التنسيق للبديل المناسب والمطمئن للغرب.
وأن تبدأ إجراءات التصعيد بالاحتشاد يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2010، آخر يوم في العملية الانتخابية، في الأماكن الحيوية مثل (مقرات المحافظات – مجمعات المصالح – المجالس الشعبية والمحلية)، ثم التنسيق مع رموز القوى الوطنية لفعاليات مركزية أمام مجلس الشعب يوم 13 ديسمبر 2010 لإسقاط البرلمان المزور.
