Egyptian soldiers stand as the Egyptian flag is raised on the BPC Anwar el Sadate military cruise ship during the flag ceremony on September 16, 2016 in Saint-Nazaire, western France. / AFP / LOIC VENANCE (Photo credit should read LOIC VENANCE/AFP/Getty Images)
أكد الصحفي جان بيار سيريني، وهو مدير سابق لمجلة “لو نوفيل إيكونوميست” Le nouvel Economiste ورئيس تحرير سابق لمجلة “الإكسبريس”. L’Express، أن الجيش المصري بات دائم الحضور في الاقتصاد المصري، وليس فقط في مجال الصناعة الحربية.
وأضاف سيريني أنها قليلة هي المجالات التي لم يبتلعها بعد نهم الجيش.
وتابع : لكن دراسة غير مسبوقة نشرت فّى نوفمبر الماضى تكشف أضرار هذا الجهاز قليل الإنتاج وغير الشفاف، والذي ينخره الفساد.
وتساءل سيريني : كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟ وأضاف : الصناعة الحربية أنشئت منذ قرابة السبعين عاما من قبل بطل وطني -جمال عبد الناصر- بهدف تعزيز الاستقلال الوطني المصري الجديد. لكنها باتت، بمرور الزمن، عائقا أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وسرطانا للمجتمع .
أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري
مشيراً إلى الباحث من أصل فلسطيني يزيد صايغ -يعمل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ببيروت- في كتابه : أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري
” (Ownership of the Republic, An anatomy of Egypt’s military) عن صعود “جمهورية الضباط” الذي تسارع منذ الانقلاب العسكري لـ عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو2013 .
وأضاف : هذا الكتاب دراسة مهمة مكونة من 250 صفحة متاحة مجانيا على الإنترنت، وتنأى بنفسها عن تقارير المؤسسات المالية الدولية التي لا تتحدث عن هذه “الجمهورية”، ولكن كذلك عن تقارير منتقدي نظام السيسي الذين يعطون هذه الجمهورية أكثر من وزنها من الناحية الاقتصادية فيما يقلّلون من دورها السلبي في سير نفس هذا الاقتصاد.
وأضاف سيريني : على الصعيد الرّسمي، تشرف على الصناعة الحربية وزارتا الدفاع والإنتاج العسكري، وكذلك الهيئة العربية للتصنيع، وهي وكالة أنشئت في السبعينات بمساعدة مملكات الخليج.
وتتراوح قيمة وزنها الاقتصادي بين 3 و6 مليار دولار، أي بين 1 و2% من الناتج المحلي الإجمالي.
و تتنوع منتجاتها، من الغذائية إلى الأجهزة المنزلية، مرورا بالفولاذ والإسمنت والمواد الكيميائية. وتعمل بعض فروعها في مجال البناء والمقاولة المعمارية. وعلى سبيل العدّ لا الحصر، اشتغل كذلك عناصر الجيش في التنقيب على الذهب في المناطق الصحراوية للبلاد، و كمزارعين غرب النيل، ومخططين إداريين، وأصحاب نزل، وتجّار، ومستوردين، وحرّاس أمن…
غموض ونقص في الكفاءة
وتساءل : هل هذا الإنتاج مربح؟
مضيفاً : لا يمكن الإجابة على هذا السؤال في ظلّ عدم الانصياع للمراقبة القانونية واستبعاد المحاسبين المستقلّين وغياب المعلومات الموضوعية.
لكن هذا الغموض المقصود لا يخفي عدم نجاح هذه الأنشطة وضعف قيمتها المضافة ونقص كفاءة المسؤولين عنها، فهم ليسوا أولئك المتصرفين الخارقين كما أثنت عليهم الدعاية الرسمية، بل هم بالأحرى منتجون صناعيون فاشلون واقتصاديون سيئون.
مشيراً إلى أن إنتاجية الشركات العسكرية أسوأ من إنتاجية القطاع العام المدني، واليد العاملة فيها متكونة أساسا من مجندين شباب رفضتهم القوات المقاتلة، وإخفاقاتها تفوق بكثير نجاحاتها.
موضحاً أن مشروع السيارة الشعبية من صنع مصري “نصر” والذي وعد به الضباط الأحرار منذ أكثر من خمسين عاما لم ير أبدا النور. كذلك بالنسبة لخطة تجميع الطائرات الحربية التي منحتها الولايات المتحدة الأمريكية لمصر في إطار مساعدتها العسكرية، والتي تم التخلي عنها واستيراد الطائرات الحربية مباشرة.
وأضاف : منذ وصول المشير عبد الفتاح السيسي للحكم، أصبح آلاف الضباط المتقاعدين من الجيش والذين يعملون في القطاع العسكري يشكلون إحدى القواعد الاجتماعية الأساسية لبقاء النظام. ويسعى الرئيس للاستفادة من نفوذهم السياسي من خلال الهدايا المالية والضريبية والاجتماعية. فهؤلاء الضباط السامون يضيفون إلى منحهم المتواضعة بعض المعاش بفضل وظيفة تكاد أن تكون مدى الحياة.
وذلك بتجذرهم في كامل قطاعات الحياة الاقتصادية.
كما يشكل هؤلاء الضباط شبكة عملاقة غدت أهم من الدوائر الرسمية، وتسمح بنسج عديد العلاقات مع المسؤولين، كما تكاد تتيح للجنرالات وقادة الأسطول التصرف بما يحلو لهم في بلد لا يمكن وصفه بدولة القانون، ذي البيروقراطية المنتشرة والإدارة المتشعبة.
مشيراً إلى أنهم يتمتعون بالنفوذ الكافي لإحباط منافسيهم واستبعادهم من الدعم ومن الأسواق العمومية مثلما حصل لمشروع قناة السويس الجديدة والذي أودعه المشير-الرّئيس مباشرة للجيش، أو لرفع مراسيم الجمارك في وجه مستوردين كثيري النشاط. علاوة على كل هذا، فهم يتمتعون بميزة لا جدال فيها، وهي أولوياتهم العليا في الوصول للأراضي من أجل تحقيق مشاريعهم، وهي أصول نادرة وباهظة في بلد مكتظ بالسكان مثل مصر.
أسير النفقات العمومية
وتابع : لم يعد القطاع العسكري تحت السيسي جيبا يحدّه أولئك الذين يبغضهم العسكريون من أصدقاء رئيس الجمهورية والمستثمرين الأجانب أو المنتفعين من الخوصصة، كما كان الحال أيام حسني مبارك (1981-2011). فقد أصبح اليوم اسير النفقات العمومية، إذ سُلّم ربع ميزانية التجهيز لحفر قناة السويس الثانية، أو لبناء برنامج عقاري عملاق على قدم وساق خارج وادي النيل، وهو مشروع مهم بالنسبة للسيسي الذي بات مهووسا باكتظاظ السكان في هذه المنطقة. حتى أن قرابة نصف الدين الذي اقترضه النظام منذ 2013 استعمل لتمويل مشاريع عسكرية!
وأضاف : كما أن القطاع العسكري يشكّل عبئا ليس فقط على النفقات العمومية بل على كامل الاقتصاد، من خلال إنشاء علاقات غير عادية مع القطاع الخاص.
واضاف : ” طبعا، ينتفع الشريكان بذلك، لكن تزايد حضور الجيش في مجالات هيمنت عليها إلى حد الآن شركات خاصة مثل الإعلام والإسمنت وصناعة الفولاذ يقلب موازين اللعبة”.
وتابع : “فأصحاب الشركات الذين لهم علاقات وطيدة مع المؤسسة العسكرية يتمتعون بأفضلية واضحة على الآخرين، لا سيما لتجاوز جميع العقبات البيروقراطية أو الوصول إلى خدمات وزارة الدفاع، كما هو الحال في الإسكندرية، حيث يتم صون السفن التجارية في ترسانة المدينة.
مشيراً إلى أنه في الجهة المقابلة، يتحول الضباط الذين صاروا منذ مدة قصيرة شركاء أصحاب رؤوس الأموال الخاصة من خلال مدهم بالأراضي -وهي ميزة كبيرة جدا- وتفويض تصنيع منتجاتهم المشتركة، إلى منتفعين ينهبون المستهلكين.
وأضاف : “إن تواصل الأمر على ما هو عليه، يمكن أن نشارك يزيد صايغ مخاوفه حول التأسيس للهيمنة العسكرية على الاقتصاد المدني وتحوّل مجموعة مصالح مهمّة ونافذة إلى صانعة أسواق أو إلى صانعة السياسية الاقتصادية للبلد بأسره”.
وتابع : “بما أن فهمها للاقتصاد يبقى حكوميا وجاهلا لآليات الأسواق، فمن الوارد جدا أن يعود ذلك بمزيد من التضارب والضبابية على الاقتصاد المصري، رغم ما يدعيه شعار الضباط: “نحن نبني مصر، نحن نغذي مصر، نحن مصر”.