
حسناً، مر شهران ونصف من الاحتجاز المنزلي وعشرات الكمامات ولترات الكحول وها أنا رغم ذلك أصاب بالكورونا من حوالي شهر. تجربة زاخرة لا تبدأ بالأعراض مهما كانت درجتها، بل تبدأ مع أول “لا حول ولا قوة إلا بالله” و”لا إله إلا الله” تسمعها من قريب أو صديق عندما يعرف بالخبر.
هنا تدرك أن الموضوع خطير وأن الناس يتوقعون موتك! احتمال قريب إذن! يا الله! كم نتأثر بالآخرين مهما ادعينا القوة والاستقلالية والانشغال بأنفسنا! وكم يرهبنا دنو الموت ولو لم يدل عليه غير حوقلات الناس!
زارت كورونا أسرتي رغم الاحتياطات، وكنت متأكدة أن هيستيريا التعقيم والغسيل والابتعاد غير كافية لصد جزئي ميكروسكوبي سابح بين الأنفاس والأيدي والأسطح كما يقولون. زيارة ثقيلة على كل اللطف الذي حملتنا به كالعادة. فأعراضنا كانت متفاوتة بين البسيط والمتوسط، ولم يتطور الأمر للهلع والمستشفيات، لكن العبء الحقيقي كان في القلق وقراءة ما يخص الموضوع وتعقيداته. ضع جانباً كل المآسي المتعلقة بتعامل النظام الصحي مع الأزمة، فلا أظنني بعد هذا العمر كنت قادرة على الانخداع بتقارير الوزارة وأعدادها، ولا بصور الإعلام وتغطياته الوردية، ولا باستفزاز المتفائلين ممن تغنوا بمساعدتنا للصين في تجاوز أزمتها! فالنظام المهترئ الذي انكشف عواره آلاف المرات في الأوقات العادية، لن ينصلح حاله فجأة في زمن الوباء. كم أتمنى لو احترموا عقولنا!
يقف عامل توصيل الصيدلية على بعد مترين من الباب مرتدياً الكمامة والقفازات، ويناولني طلبي بذراع مفرودة قلقة، ويحدثني بصوت عال حتى لا يضطر للاقتراب، فكل من يطلب (زنك وباراسيتامول) الآن يصنفونه مريض كورونا. لهم حق، لكنني أشفق على نفسي من النبذ ولو كان صورياً هكذا! حتى ولو كان من عامل الصيدلية! فأناوله الحساب بيد، وبالأخرى أحمل قارورة الكحول دليلاً على الاحتياط والتطهر، ولسان حال نظراتي له يقول: لا تعاملني كالموبوءة يا أخي! ثم أبتسم وأنا أرد الباب عندما أدرك أنني “موبوءة” فعلاً!
لا نتوقف طول الوقت عن ترديد الكثير من الكلام ونحن لا نعنيه حقاً. لم نختبر صدقه في أنفسنا، ولو فعلنا فغالباً لم نجتز الاختبار. لكننا لا نتوقف عن الاستشهاد بالآيات والأمثال والحكم للتأكيد على معانٍ لم نجربها |