مقالات مختارة

تحرش أم توحش؟

مدحت محمد نجيب

نتابع يوميًا على الصفحات الإخبارية وقائع تعدي بعض الشباب على فتيات، باختلاف أنواع هذا التعدي سواء كان بالقول أو بالفعل، ولكن المهم تنامي هذه الظاهرة خصوصًا في عالمنا العربي، وما نعرفه يكون من خلال وسائل الإعلام أو التواصل، ولكن ما خفي كان أعظم، ونحن في أمس الحاجة إلى أن نتطرق لهذا الأمر بالفحص والدراسة، باعتبار ذلك ظاهرة لها أسبابها ومن المؤكد أن هناك سبل لحلها.

ومن خلال هذه المقالة أرجو أن أكون قد تناولت الموضوع من كل جوانبه، وبادئ ذي بدء نسأل عن مفهوم التحرش، التحرش هو سلوك غير سوي ونابع من حالة نفسية، يصدر من شخص ضد شخص آخر بغرض النشوة وإشباع رغبة غير مشبعة، هذا التعريف هو نظري البحتة، فالتحرش سلوك يتمثل في فعل يصدر من شخص، وهذا الشخص من وجهة نظري لديه مشكلات نفسية، بمعنى أدق مرض نفسي وخلل في التفكير، علاوة على أنه يرتكب هذا السلوك المشين لإشباع رغبة مكبوتة بداخله، أو أنه أشبعها جزئياً ولم يكتفي بهذا الإشباع لوجود خلل في رغبته، أو في مفهومه عن هذه الرغبة.

وبعد أن تطرقت إلى مفهوم التحرش من وجهة نظري، وجب علينا أن نقف لنعرف الأسباب التي تدفع إلى نشوء وتفشي تلك الظاهرة، إنني لا أبرر خطأ أحد، وأرى العديد من الأسباب التي ساهمت بشكل مباشر في انتشار هذه الظاهرة؛ ويرجع ذلك إلى المجتمع، والمتحرش ذاته، والمتحرش به، ووسائل الاتصال المنتشرة حاليًا.

وينبغي علينا أولا أن نعلم أن دين الإسلام حض على غض البصر من كلا الطرفين، وبالتالي الدين ينشر الفضيلة ويحث عليها، وهذه الفضيلة مطلوبة من كلا الطرفين الرجل والمرأة، وهذا هو مطلق العدل، فليست هناك استثناءات من الأمر الإلهي لطرف على حساب الآخر.

ونرجع إلى المجتمع المتمثل في الدولة بسياساتها، والأسرة بتقاليدها وقيمها، والمدرسة، والجامعة، والشارع، والحي، والمسجد، والكنيسة، فلو أن كل جماعة من هذه الجماعات قامت بالدور الخاص بها على أكمل وجه، ما كان لهذه الظاهرة أن تتفشى بهذه الصورة، فالدولة يقع عليها عبء أن تيسر متطلبات شبابها لكي يتزوجوا لتكون أنفسهم عفيفة، كما أنه من الواجب على الأسرة أن تصادق أبناءها وأن تستمع إليهم لتعرف الصورة المغلوطة التي ربما انتقلت إلى أذهانهم من المحيط الخارجي؛ حتى تقوم بتصحيحها ولكن بصورة سليمة، فلا بد ألا يغيب دور الأب والأم في مصاحبة أبناءهم ومناقشتهم والاطمئنان عليهم وعلى سلامتهم النفسية والعقلية والسلوكية أولا بأول، كما أن الأسرة مسئولة عن تعليم أبناءها وتربيتهم تربية دينية سليمة خالية من التطرف والتفريط، وبذلك سيكون الشارع عامرًا بالقيم، علاوةً على أن المسجد والكنيسة عليهم العبء الأكبر، فالكلمة من أيهما تنغرس في قلوب وعقول الرجال والنساء، وبالتالي يجب أن تكون الكلمة على قدر المسئولية ومتفقة مع صحيح الأديان.

ونشوء هذه الظاهرة يرجع أيضا إلى خلل نفسي وعقلي وسلوكي في نفس المتحرش، فمن المحتمل أنه يعاني من الكبت وخلل في تصور العلاقة بين الرجل والمرأة، وذاك بسبب ما نشرته التكنولوجيا الحديثة من أفلام إباحية شوهت مفاهيم العلاقة بين الجنسين، بل بين الجنس الواحد في حد ذاته، كما أن المتحرش به -وهي في الغالب فتاة- قد تكون سببًا رئيسياً في تحفيز سلوك التحرش نظرًا لما تسعى لارتداءه وما تضعه بشكل مبالغ فيه من أدوات التزين، علاوة على أسلوب الحديث والسير الذي قد يكون دافعًا إلى هذا السلوك، ولست ها هنا أبرر سلوك المتحرش لأنه مخطئ مهما كانت الدوافع والبواعث الخارجية، إلا أننا في دنيا البشر يتحمل كل منا نصيبه من الخطأ، ولا ينبغي تبرئة أحد الطرفين تبرئة تامة، فكلاهما مسئول عن تفشي هذه الظاهرة، فالقيم لا تتجزأ.

ومن أسباب تفشي هذه الظاهرة أيضا وسائل الاتصال الحديثة التي فتحت الباب على مصراعيه أمام متابعة ومشاهدة الأمور التي من شأنها أن تؤثر على ثقافة شبابنا، وأتاحت هذه الوسائل المجال إلى السفهاء لكي ينشروا سلوكهم المشين، وفكرهم التافه، على مرأى ومسمع من شبابنا، ومقاومة ذلك تأتي بغرس القيم في أبناءنا ليقوموا هم بالفرز بين الصالح والطالح.

نقلا عن .. عربي 22

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى