مقالات مختارة

صناعة الاختناق السياسي في مصر .. من مبارك إلى مرسي

خيري عمر

شكّل الموقف من الانتخابات عاملا حاسما في إبعاد الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، عن السلطة، ثم إزاحة حركة الإخوان المسلمين منها، وعلى الرغم من اختلاف النسق السياسي للحالتين وموقعهما من السلطة، يُثير تقارب النتائج النقاش حول طبيعة سياسات الحُكم واتجاهاتها، واستكشاف عوامل الصراع. ووفق الأطر التنظيمية، تُقدّم تجربة لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي في انتخابات 2010 وجماعة الإخوان المسلمين بعد انتخابات 2012 طرحاً عضوياً للسيطرة على أجهزة الدولة. وهنا، تأتي أهمية تناول سياسات الوصول إلى السلطة وعلاقتها بالأزمات التي شهدتها الدولة في الحالتين.

تطور أزمة حُكم مبارك
شكلت انتخابات 2005 تحدّياً لحُكم حسني مبارك، حيث إن حصول جماعة الإخوان المسلمين على 20% من عضوية مجلس الشعب سابقة تؤسس لوضعهم ضمن النظام السياسي، كما يُمكن أن تكون رافعة لحصول المعارضة على ثلث المجلس، ليكون لها إمكانية تعطيل تعديلات دستورية تتعلق بانتخابات الرئاسة في 2011. ولذلك كانت معركة السلطة لمنع المعارضة من الحصول على ثلث العضوية. وقد لازم تلك الانتخابات قلق السلطة من تنامي حركات الاحتجاج، مثل الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) وحراك استقلال القضاء، وهي تفاعلاتٌ تضاعف تأثيرها بسبب الضغوط الخارجية، لتمكين مجموعات جديدة من السلطة تحت دعاوى التحوّل الديمقراطي لتجنّب انقلاب قصر.
وفيما كانت استجابته محدودة، استطاع مبارك التعايش مع تلك النتائج، من خلال مسارين، كان الأول في اتباع سياسة لاحتواء المعارضة. وقد شكّلت التعديلات الدستورية في 2007، وتحويل “الإخوان” إلى محاكمات عسكرية توجّهاً لزيادة صلاحيات السلطة التنفيذية، وتفريغ المجال السياسي. ويُمثل التوجه العام إلى تعديل 34 مادة في الدستور تَطلّعاً لامتصاص تداعيات أنشطة الحركات الجديدة التي تكوّنت في تلك الفترة، مثل “6 أبريل”، “قِـوى الاجتماع السياسي”، الحملة المصرية ضدّ التوريث، ومواقع في “فيسبوك” والمدوّنين، بحيث ساهمت في نقل التغيير إلى حالة أكثر شعبوية من أي وقت مضى.

يمثل احتجاج 6 أبريل 2008 بداية انكشاف قدرة الحُكم على قراءة تطلعات الجيل وطريقة تصرّفاته

أما المسار الثاني، فقد عمل فريق جمال مبارك على تسريع برنامج تطوير الحزب الوطني، وتوسيع نفوذ لجنة السياسات فيه، لتكون رافعة وصوله إلى السلطة، فخلال هذه السنوات عملت المؤتمرات السنوية للحزب على التحضير للتغيير السياسي، وطرح تصور للسياسة والاقتصاد، ونشر مجموعات عمل في الجامعات ومراكز الشباب، بجانب إنشاء جمعية جيل المستقبل. وبمرور الوقت، صارت لجنة السياسات مجموعةً طليعيةً في النظام السياسي، ولم يقتصر نفوذها على الحزب الوطني، حيث عملت على نشر نفوذها في الأجهزة الإدارية وبين رجال الأعمال. سارت برامج تحديث الحزب الوطني نحو تشكيل طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ تتجاوز الشبكات التقليدية في الحزب الوطني، أو تقودها نحو مركزية سياسية خارج دوائر البيروقراطية، بشكل أثرى القلق والصراع على السلطة. وهنا يمكن الإشارة إلى تنافسية ترشيح جمال مبارك وعمر سليمان (رئيس المخابرات في حينه) علامةً كاشفةً عن الخلاف حول التمركز حول الدولة، أو ارتهانها لمجموعات رجال الأعمال.
ويمثل احتجاج 6 أبريل/ نيسان 2008 بداية انكشاف قدرة الحُكم على قراءة تطلعات الجيل وطريقة تصرّفاته، فقد شكّلت حالة الامتناع “خليك بالبيت” صدمةً لم تستطع الحكومة التعامل معها، وكشفت عن عجز الإدارة عن التعامل مع أنماط الاحتجاج الجديدة مهّدت لظهور كيانات موازية، كاتحاد الطلاب والنقابات، وأخيراً البرلمان البديل. وتشكّلت “الجمعية الوطنية للتغيير” إطاراً غير مُتجانس، واستقر على المطالبة بتعديلاتٍ دستوريةٍ، قبل إجراء الانتخابات التشريعية دون تطوير أجندة مُشتركة لتغيير النظام السياسي، ما يُفسّر انهيارها سريعاً بعد اندلاع حراك يناير (2011).

انقسامات النظام
وفي ظل تصاعد الجدل بشأن توريث السلطة، قام الاصطفاف على ثنائية مع وصول جمال مبارك إلى السلطة أو ضده. ومحاولة لتهدئة المخاوف، أعلن الأمين العام للحزب الوطني، صفوت الشريف، في 25 أغسطس/ آب 2010، عن إجماع الحزب على ترشيح حسني مبارك للرئاسة، غير أنه يفتقر للجدّية مع تدشين الحملة الشعبية لدعم عمر سليمان رئيساً للجمهورية في سبتمبر 2010 تحت شعار “البديل الحقيقي” لمشروع التوريث. ومع انتشار الحملة في أماكن حيوية في القاهرة، بدا مبارك أمام تحدٍّ حقيقي، فدخول مدير المخابرات العامة نطاق التنافس السياسي صار تعبيراً عن انقسام في السلطة، فيُمثل دخول سليمان قيداً على نفوذ “لجنة السياسات”، فقد تأسّس منظور الحملة على طرح اختيارات مفصلية، بيان 2 سبتمبر/ أيلول 2010، اعتبرت أن مصر على مفترق طرق، إما إلى التقدّم أو إلى التخلف. وبجانب بعض المطالب، كانت الدعوة واضحة لمواجهة “منهج” جمال مبارك، وأعوانه من رجال الأعمال وأتباعهم، ومنعهم من السيطرة على حكم مصر ومقدّراتها، ويُمثل هذا الخطاب قلب الأزمة داخل الحُكم، حيث تبلور إدراك لما تُمثله شبكات لجنة السياسات من تهديد وعدم استقرار. فيما ظهر الخلاف بين حملتي جمال مبارك وعمر سليمان إلى العلن، تجاهل الرئيس كل التداعيات، وتصرّف على نحوٍ يُرحب بالاستبعاد في الانتخابات المحلية، التشريعية، الطلابية والنقابية، لتضيق فرص احتواء القلق من تيار التوريث، واقتصر نواب المعارضة على 14 مقعداً من إجمالي 508 مقاعد، ليكون المجلس تعبيراً واضحاً عن لجنة السياسات في الانتخابات التشريعية، وتسبب اتساع التزوير في الجولة الأولى في دفع الإخوان المسلمين وحزب الوفد إلى الانسحاب. وبشكل عام، لقيت النتائج ترحيب الرئيس مبارك، وساق “خلّيهم يتسلّوا” تعبيراً شهيراً في خطابه للاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشورى، في 19 ديسمبر 2010، متجاهلاً وصول معارضة التوريث إلى مكونات السلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى