
إن الفارق في تاريخ الصين الحديث , كان بإطلاق الرئيس الصيني “دينغ شياو بينغ” مهندس الإصلاح أو النهضة الصينية الحديثة – كما يطلق عليه – عام 1978 سياسة الإصلاح و الانفتاح , والتي تدعو إلى تخفيف القيود والضوابط المركزية على الحياة الاقتصادية.
حيث كانت هذه السياسة قائمة على إعادة توجيه دفة انفتاح الاقتصاد الصيني نحو العالم – ولكن كل ذلك جرى دون حدوث أي تغيير في الشان السياسي – ليتسارع معها قطار التنمية الصينية على نحو هائل.
ولتنتقل الصين بعدها نقلة حضارية ونوعية، وبشكل كبير أدهشت العالم لما حققته حتى الآن من انتقال على كافة الأصعدة التنموية والحضارية .
ولتصبح اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، بعدما كانت دولة غارقة في في مشاكل لا حصر لها من الفقر وتراجع الوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ ولكنها أمست اليوم تتطلع لتأخذ موقعها القيادي في المجتمع الدولي.
وتواجه الصين تحديات كثيرة في الداخل والخارج، واستراتيجيتها الحالية ليست منهجا انقلابيا ولكنه يتبع أسلوب التدريج ومحاولة صناعة بدائل للمؤسسات الدولية القائمة، بغية السيطرة عليها.
وأوضح مثال على ذلك هو إنشاؤها “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” عام 2015 ليكون منافسا للبنك الدولي . وهذا الأمر يعتبر خطوة أولى في ضوء استراتيجيتها في التغيير بموازين القوى.
فهي منغمسة حاليا في صناعة البدائل، سواءا في عمل مؤسسات بدلا عن المؤسسات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها أو على صعيد القطاع الخاص بشركات ضخمة تملك علامات تجارية تنافس بقوة الشركات الأمريكية والغربية من أجل السيطرة على أسواق العالم بجدارة.
أما التحديات التي تواجهها حاليا تتمثل في الوصول إلى التفوق على الغرب وحلفائه، في إنتاج وتصدير التكنولوجيا والذي سيحتاج إلى بعض الوقت.
أما بعض النجاحات التي حققتها، فقد أصبحت الصين تملك باعا متقدما في تكنولوجيا الاتصالات من خلال شركاتها – لا سيما شركة هواوي بهواتفها المتقدمة والأكثر مبيعا من شركة آبل الأمريكية العملاقة؛ فشركة هواوي متفوقة عالميا في مجال تركيب أجهزة الجيل الخامس ذات التقنيات العالية جدا.
فالصين تعمل بجد في تطوير تكنولوجيا وأبحاث الفضاء، وإرسال السفن الفضائية إلى الفضاء الخارجي، لتنافس بذلك الولايات المتحدة وأوربا وروسيا.
وعلى الصعيد الاقتصادي فالصين قوية في ملاءتها المصرفية، فمن بين أكبر عشرة مصارف في العالم من حيث الأصول، هناك أول 4 مصارف صينية تتصدر القائمة، بعدما كانت مصارف الولايات المتحدة مهيمنة على النظام المالي الدولي لسنوات طويلة جدا.
وكذلك فهي أكبر دولة في حجم الصادرات في العالم بما قيمته 2400 مليار دولار في عام 2019، ولا يسعنى هنا أن نذكر بالتفصيل جميع إنجازاتها وعلى مختلف الأصعدة.
إن الولايات المتحدة الأمريكية والصين غير راغبتين حاليا، فضلا عن أن يكونا مضطرتين لخوض حرب مباشرة بينهما، فالصين – ليست في عجلة من أمرها، وهدفها المتمثل بانتزاع السيطرة على زعامة العالم من الولايات المتحدة حاضرا؛ ولكنها رغبة على المدى المتوسط وليست هدفا آنيا.
وبدورها الولايات المتحدة تحاول تأخير هذا التقدم المتسارع بقدر الإمكان، ولأن الصين بهذه الوتيرة وعلى مدى من 8-١٠ سنوات تقريبا – وفق كثير من الخبراء والمحللين – ستكون حتما متقدمة في معظم المجالات على الولايات المتحدة.
وعلى نطاق أخر وكما شاهدنا وتأكد لنا – قبل فترة قصيرة – فإن الولايات المتحدة غير مستعدة إطلاقا أو حتى تفكر في كل سيناريوهاتها وأسوأها : بأن تخوض حربا مع دولة متوسطة القوة كدولة إيران، فما بالكم بدولة قوية جدا بحجم الصين.
إن الولايات المتحدة الأمريكية والصين غير راغبتين حاليا، فضلا عن أن يكونا مضطرتين لخوض حرب مباشرة بينهما، فالصين – ليست في عجلة من أمرها، وهدفها المتمثل بإنتزاع السيطرة على زعامة العالم من الولايات المتحدة حاضرا؛ ولكنها رغبة على المدى المتوسط وليست هدفا آنيا.