انتشرت مؤخرا أنواع من الجرائم وحوادث القتل لم تكن موجودة من قبل، وامتلأت صفحات الصحف ومواقع التواصل بوقائع صادمة وتفاصيل تخدش الحياء، تسيء لقيمنا التي تربينا عليها منذ قرون، ويبدو أننا أمام ظاهرة من الانهيار الأخلاقي تضرب أسس مجتمعاتنا المستقرة.
لقد شاهدنا من يذبح زميلته بالسكين بسبب رفضها الزواج منه، وتطالعنا الأخبار يوميا بجرائم قتل الآباء والأمهات والزوجات والأبناء لأسباب متعددة، ومن كثرة النشر عن هذه الجرائم نشعر وكأننا نعيش في مسلخ بلا رحمة، ويبدو أن تغييرات كبيرة حدثت حولت الكثير من البشر إلى كائنات متوحشة.
ينحصر اهتمام النخب في بلادنا بالسياسة في المقام الأول، ويأخذ الصراع السياسي معظم الجهد والوقت بسبب تأثيره الطاغي على حاضرنا ومستقبلنا، ومن بعده الاهتمام بالاقتصاد وأحوال المعيشة مع تراجع الدخول وانتشار الجوع، ثم يأتي في نهاية سلم الاهتمام التماسك المجتمعي وارتباطه بالأخلاق رغم أهميته.
لا يمكن لأمة أن تصمد أمام العواصف والأعاصير بدون منظومة أخلاقية، ولا يمكن للإنسان أن يعيش آمنا مطمئنا وسط موجات من طوفان الجرائم والانفلات والانسلاخ من الثوابت والقيم.
كل استراتيجيات الإصلاح وخطط التنمية في بلادنا هي في الحقيقة أجندات خارجية، محورها تقديس صنم المادية، ومحاربة الهوية والدين، وصناعة إنسان مسخ، شهواني، ينساق وراء رغباته وأنانيته بلا رادع، لا يعرف الحلال والحرام، وليس لديه معيار يقيس عليه ما هو صحيح وما هو خطأ.
لقد حاربوا الدين الذي يغرس في الإنسان الإيمان بالله، ويضع حدودا لأطماعه، ويمنعه من السير في طريق الشر، ويضبط تفكيره وسلوكياته، ويجعل الرقابة الذاتية أكثر سلطة على النفس البشرية من القوانين التي قد لا تجاري الانحراف الأخلاقي؛ فاحترام حدود الله هو الواقي من طغيان الأفراد وفساد المجتمع ويمنع السير في طريق الغواية واجتناب مقدماتها.
إفساد الإنسان
حالة الفساد المجتمعي التي نراها اليوم ناتجة عن جهد مدروس ومكر معادٍ منذ عقود، وليس تحولا مفاجئا، فكثيرا ما حذر المصلحون من تدمير الأخلاق والإفساد المنظم ونشر الفواحش والرذائل التي تهدم مجتمعاتنا، ولكن حالة الضعف السياسي أمام الهيمنة الخارجية أضعفت المقاومة، وسلمت قلاعنا لخصومنا التاريخيين، واحدة تلو الأخرى.
الإنسان هو أساس أي تنمية، ولا تنجح تنمية لا تكون في خدمة المواطن وتحقيق الرفاهية له، ولذلك فشلت كل خطط التنمية في بلادنا لأنها استبعدت الإنسان، وتعاملت مع البشر كعبيد ليس لهم حقوق وليس لهم رأي؛ بل تم استخدام الإنسان كوقود لتجارب فاشلة مكررة بشعارات فارغة عن التطوير وتحقيق النمو المزعوم.
ولأن الإنسان في بلادنا لا قيمة له، ومستبعد من المشاركة في كل شيء، فإن العقل الذي يدير ويضع خطط التنمية هو في الحقيقة مجرد مرآة تعكس تخطيط وتفكير آخرين، يقلقهم تماسكنا وارتباطنا بثوابتنا، ولا يهمهم غير غوايتنا وتضليلنا لنبقى في التيه ونتمزق ليستمروا في نهب ثرواتنا، فأصبحنا ندور في دائرة مغلقة من الإفساد المتعمد لا نخرج منها.
انقلاب الموازين