نشر ديفيد غاردنر مقال فى صحيفة فاينانشال تايمز، بعنوان “المستبد الشاب في السعودية يضرب مجدداً بحرب على النفط”.
قال الكاتب إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عاود الكرة مجددا، فقد شن انقلابا جديدا في القصر وحربا لأسعار النفط ذات تبعات دولية.
محمد بن سلمان
وأضاف أنه في الأسبوع الماضي احتجز ولي العهد الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر لملك السعودية والأمير محمد بن نايف، الذي كان وليا للعهد قبل إبعاده عن منصبه.
ويقول الكاتب إن مصادر سعودية ترى ذلك محاولة لولي العهد للقضاء على أي محاولة انقلاب ضده أو كتذكرة بأنه لا تأخذه هوادة بأي شخص يتشكك في قدرته على خلافة العرش.
وأضاف الكاتب إن الحماس الذي قوبل به ولي العهد الشاب، 34 عاما، في البداية كان واسعا، حيث بدا أنه يمثل طموحات الشباب الذي يشعر بالاختناق في ظل مجتمع ديني. ويضيف أن حماس محمد بن سلمان لتحويل اقتصاد بلاده من الاعتماد على البترول إلى اقتصاد دولة حديثة يعتمد على الاستثمار لم يكن أبدا محل شك، و”لكن ما كان محل شك منذ أمد طويل فهو رجاحة رأيه”.
وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب عن تقديره للأمير الشاب كحليف لبلاده تعهد بشراء كميات ضخمة من السلاح من الولايات المتحدة، وأن يكون في صدارة صراع إقليمي مع إيران، و”لكنه لم يوقع من الشيكات بالقدر المتوقع منه”.
ويقول الكاتب إن الأمير الشاب لم يقم حيال إيران إلا بالكثير من الكلام العدائي، بينما فرض حصارا على قطر، جارته الصغيرة الثرية بالنفط، مما دفعها إلى أحضان طهران.
ويضيف الكاتب أنه بعد ثلاثة أعوام نسقت فيها روسيا مع السعودية وأوبك لرفع أسعار النفط، رفضت روسيا الأسبوع الماضي الاستمرار في رفع أسعار النفط، فكان رد بن سلمان الفوري هو خفض الأسعار بصورة كبيرة. ويرى الكاتب أن ذلك أدى إلى انهيار أسعار النفط وإلى أسوأ أداء لأسواق الأسهم منذ الأزمة الاقتصادية التي وقعت عام 2008.
سويداء القلب
من جهته استغرب موقع ميديابارت الفرنسي إجراءين قام بهما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هذا الأسبوع، وهما إلقاؤه القبض على ثلة من الأمراء المتنفذين داخل العائلة المالكة وإشفاعه ذلك بتحدي موسكو بإشعال حرب في أسعار النفط تهدد بتقويض مشاريع المملكة الاقتصادية الهائلة.
وأشار الموقع في مقال بقلم جان بيير بيرين إلى أن السلطات في الرياض لم تنكر الاعتقالات التي أعلنتها مساء الجمعة صحيفة وول ستريت جورنال ثم صحيفة نيويورك تايمز لاحقا، ولكنها التزمت الصمت التام الذي يعتبر أحد طرق الاعتراف.
وذكر الكاتب بأن الاعتقالات طالت عم الأمير أحمد بن عبد العزيز وسلفه في ولاية العهد محمد بن نايف، وعددا آخر غير معروف من الشخصيات البارزة.
وعن الأسباب التي دفعت بن سلمان لهذا الإجراء قال الكاتب، إنه في بلد يكتنفه الغموض، من الصعب معرفة ما يدور، هل هناك مؤامرة بالفعل أو أن هناك انقلابا كان وشك التنفيذ، أو أن ولي العهد الشاب (34 عاما) الذي يقال إنه مصاب بجنون العظمة، أراد ببساطة القضاء على كل معارضة من قبل منافسيه في سياق خلافة الملك المسن والمريض سلمان بن عبد العزيز (84 عاما).
ومع أن الملك الذي يعاني من ألزهايمر كما يشاع، هو الذي يجب أن يوقع أوامر الاعتقال عندما يتعلق الأمر بالعائلة المالكة، يتساءل ديفيد ريغولي روز، المختص في شؤون الخليج ومدير مجلة “أوريان استراتيجيك” هل الملك بالفعل يستطيع ذلك؟
مضيفا أنه “من أجل حماية ولي العهد نفسه، تم توخي الحذر لإظهار أنه لم يتخذ هذا القرار بمفرده، وأن الملك يتمتع بكامل قواه العقلية، وذلك باستقبال سلمان وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، قبل الإعلان عن هذا التطهير في اليوم التالي، كما ظهر بعد ذلك بيومين على قناة “الإخبارية” وهو يستقبل السفراء السعوديين في حفل تأدية اليمين”.
ومع هذا التطهير الأخير -كما تقول الصحيفة- يتيح الملك سلمان لابنه تولي كامل السلطة، بعد أن كان أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف آخر الأمراء الذين يخشى منهم أن يحجبوه، خاصة أن الأول منهما كان الوحيد من أعضاء مجلس البيعة الذي رفض ولاية عهد محمد بن سلمان عام 2017.
توقيف غريب
أما الأمر الأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لموقع ميديابارت، فكان موافقة الملك سلمان على القبض على شقيقه العائد من رحلة صيد، والذي كان يبدو أن المساس به مستحيل باعتباره أحد أبناء السديرية السبعة الأقوياء وآخر أبناء مؤسس المملكة.
ومع أن الأمير أحمد (76 عاما) غادر المملكة عام 2012 بعد إقالته من وزارة الداخلية التي عين فيها لفترة وجيزة، فإنه عاد من لندن في أكتوبر 2018 بعد اندلاع فضيحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فيما يراه ريغولي-روز “صفقة شملت ضمانات على سلامته الشخصية، خاصة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من أجل ترميم صورة المملكة وإعطاء انطباع بتماسك صفوف العائلة”.
إلا أننا كما يقول ريغولي-روز “نرى الآن أن بن سلمان يرغب في إجراء عملية تنظيف رئيسية داخل الأسرة في أسرع وقت ممكن، من أجل الصعود مستقبلا على العرش”.
ومع أن الأمير أحمد لا يبدي أي طموح -كما يقول الموقع- ولا يسعى إلى الحكم مطلقا، فمن المحتمل أن يكون قد تجمع حول شخصه من العائلة المالكة، كل من يشعرون بعدم الرضا، إما بسبب اغتيال خاشقجي أو بسبب القبض على الأمراء والاستيلاء على ثرواتهم أو بسبب فشل الحرب في اليمن والعجز عن الرد على إيران، وإما أن ولي العهد توقع هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات.
ورأى موقع ميديابارت أن اعتقال محمد بن نايف ليس أقل إدهاشا من توقيف الأمير أحمد، خاصة أنه نجح كوزير داخلية قوي في تحطيم الفرع السعودي لتنظيم القاعدة، وكان موضع تقدير خاص من قبل العائلة الحاكمة ووكالة المخابرات المركزية الأميركية وغيرها من أجهزة المخابرات الغربية، كما أنه تعرض هو نفسه لهجوم عام 2009 كاد يودي بحياته.
وأشار الموقع إلى أن الدبلوماسيين الأوروبيين كانوا يفضلون بقاء بن نايف وليا للعهد كما كان حتى يونيو 2017، قبل أن يطيح به قرار من الملك سلمان لصالح ابنه محمد ويجرده من كل مسؤولياته، ويوضع تحت الإقامة الجبرية.
عمليات التطهير
وقال الموقع إن عمليات التطهير بدأت في المملكة مع تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، حيث استهدف أجهزة الأمن في أبريل 2017، قبل أن تشهد قيادة الدفاع السعودية في فبراير 2018 إقالة رؤساء الأركان والقوات الجوية والبرية بسبب الإخفاقات التي لحقت بالجيش في حرب اليمن.
أما التطهير الهائل فكان في نوفمبر 2017، عندما اعتقل نحو مئتي شخص، من بينهم 11 من الأمراء وأربعة وزراء وعشرات الوزراء السابقين، و احتجزوا في فندق ريتز كارلتون بالرياض، بعضهم لمدة شهرين، وانتزع منهم أجزاء كبيرة من ثرواتهم.
ومن بين هؤلاء المحتجزين الأمير الوليد بن طلال، أحد أكبر المستثمرين في الشركات الغربية مثل سيتي غروب وتويتر وأبل و فندق جورج الخامس وديزني لاند باريس، إلى جانب الأمير متعب بن عبد الله الذي كان رئيس الحرس الوطني والأمير تركي بن عبد الله الحاكم السابق لإمارة الرياض.
ويقول ريغولي-روز إنه “مع اعتقال الأمير نايف بن أحمد تدخل المخابرات العسكرية تحت سيطرة رجال بن سلمان، بعد أن كانت واحدة من آخر المناطق التي لم تتأثر بعد بالتطهير، خاصة مع حساسية الحرب في اليمن التي تعرض كل من عارضوها للتهميش أو الإقالة”.
إجراء وحشي
وخلص الموقع إلى أن هذا التطهير الأخير والقصير والوحشي -الذي يعطي صورة بلد مزعزع الاستقرار ويخاطر بإخافة المستثمرين الأجانب الذين تحتاجهم المملكة بشدة- جزء من الإستراتيجية التي اتبعها بن سلمان لتسلق مراتب السلطة.
وقال الموقع إن إستراتيجية ولي العهد في مجال النفط بعد فشل اجتماع أوبك في فيينا الأسبوع الماضي، بخفض أسعاره كما لم يحدث منذ ثلاثين عاما وزيادة إنتاجه لترهيب موسكو، تمكن مقارنتها مع التطهير الذي تم على الأمراء، وهي نفسها التي طبقها عام 2015 في اليمن، حيث كانت العملية العسكرية سريعة وحادة.
وختم الموقع بأن بن سلمان -منذ استيلائه على السلطة بحكم الأمر الواقع- كان عرضة للعديد من الهجمات أو محاولات الاغتيال التي لم يعترف بها النظام السعودي، حيث كانت الأولى في أكتوبر عام 2017 بجدة.
والثانية الأكثر خطورة -حسب الموقع- في يوليو 2018، وفي أبريل2018 كانت هناك محاولة انقلاب أسقطت خلالها طائرة مسيرة فوق قصره، إلا أنه قال في مقابلة مع محطة التلفزيون الأميركية سي بي أس أن “الموت وحده هو الذي يستطيع أن يمنعني من الحكم”.
وبين تقرير ميدل إيست آي إن ولي العهد محمد بن سلمان أمر أمراء آل سعود بكتابة تغريدات على تويتر تعبر عن ولائهم له عقب الاعتقالات، وأشار إلى أن ثلاثة أمراء نشروا فعلا تغريدات بهذا المعنى.
ونقل عن مصدر لرويترز أن بن سلمان “عزز بهذه الاعتقالات قبضته على السلطة بالكامل.. وانتهى الأمر بعملية التطهير هذه”، مشيرا إلى أنه لم يعد أمامه الآن أي منافسين يمكن أن يعترضوا على اعتلائه العرش.
زر الذهاب إلى الأعلى