ترجماتمصر

واشنطن بوست: الديكتاتورية المصرية تبدد ما تبقى للبلد من أصول

فى مقال رأي بالواشنطن بوست تحدث الأكاديمي والأديب عز الدين شكري فشير عن الديكتاتورية المصرية مجدداً، بعد صدور احكام بالسجن المشدد على عدد من سجناء الرأي والنشطاء.

رابط المقال

مؤامرة الترشح للانتخابات

وقال : “الأربعاء الماضي، وبعد أكثر من عامين من الاحتجاز دون محاكمة، حكمت “محكمة أمن الدولة طوارئ” على زياد العليمي وحسام مؤنس وأربعة آخرين من شباب السياسيين والناشطين بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاثة وخمسة أعوام. 

ولا تتعلق هذه الأحكام بـ”الجريمة” الأصلية التي احتجزوا بسببها – وهي التآمر لتهديد أمن الدولة عن طريق الترشح للانتخابات التشريعية في ٢٠٢٠. بل تتعلق بتهم جديدة وجهت اليهم تدور حول “تعمد نشر أخبار كاذبة مما من شأنه إضعاف هيبة الدولة واعتبارها، والإضرار بالمصالح القومية للبلاد والتأثير على مركزها الاقتصادي، وتكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس”.

وتكونت أدلة الإدانة من مقال أو تعليق كتبه كل منهم في وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي انتقدوا فيه سجل مصر في مجال حقوق الإنسان وسياساتها الاقتصادية.

 بدأت المحاكمة في اليوم التالي لتوجيه عريضة الاتهام، دون السماح للمحامين بالتشاور مع موكليهم أو حتى الحصول على نسخة من ملف القضية. وفي وجه احتجاجات المحامين المتوالية على تجاوز أبسط قواعد التقاضي السليمة، بدا القاضي الشاب في حيرة من أمره واكتفى بـ”قراءة” الأحكام. وما يزيد الطين بلة أن هذه المحكمة الاستثنائية لا يمكن استئناف أحكامها أو نقضها.

الديكتاتورية المصرية

لقد أصبح مثل هذا الإهدار الصارخ لحكم القانون في مصر أمرا معتادا لدرجة أنه لا يكاد يشكل “خبرا”. إلا أن هذه القضية تعطينا لمحة عن الطرق المختلفة التي تهدر بها ديكتاتورية الرئيس عبدالفتاح السيسي الأصول المتبقية لهذا البلد، وتزيد اعتمادها على القمع، وتجرف ما بقي لها من فرص في أن تتحول يوما ما الى دولة ناجحة.

تحالف الأمل الانتخابي

لقد عملت مع حسام مؤنس عندما أدار الحملة الرئاسية لحمدين صباحي ضد السيسي في ٢٠١٤. وقتها انتقدنا الثوريون الذين أرادوا من أنصار الديمقراطية مقاطعة العملية السياسية واتهموا مؤنس بإضفاء الشرعية على سعي الجيش للاستيلاء على السلطة. وكان رده بأن السياسي الجيد يستخدم أي مساحة متاحة للدعوة لقضيته. كما عملت مع زياد العليمي في ٢٠١١ خلال الربيع العربي قصير العمر، ثم مرة أخرى في ٢٠١٩ حين كان يشكل “تحالف الأمل” الانتخابي.

 وخلال مكالماتنا الدولية أخبرني أنه يفعل ما بوسعه كي يصعب على النظام قمع تحالفه الانتخابي: تحاشي أي خطاب راديكالي والالتزام الكامل بالقواعد التي وضعها العسكريون أنفسهم وكذلك حصول التحالف على تأييد الأحزاب الشرعية القائمة. ثم أضاف ضاحكا: “نحن نفعل كل شيء على المكشوف، حتى مكالمتنا هذه يسمعوها”. طلب مني وقتها كتابة بيان إطلاق التحالف، لكن لم تتح لي الفرصة لفعل ذلك، فقد تم القبض عليه في اليوم التالي.

زياد العليمي وحسام مؤنس موهبة يحتاجها ويبحث عنها أي تنظيم سياسي: فهما شديدا الذكاء، لديهما روح المبادرة، عمليين، يتكيفا مع الظروف بسرعة، ويرون فرصا حيث يرى الآخرون عقبات. ولأن يدهم على نبض المواطن العادي، فهما قادرين دوما على بناء شراكات سياسية تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية.

 وخلافا لغالبية الديمقراطيين العلمانيين العرب، فإنهما قادرين على دخول الانتخابات والفوز فيها.

لكن بدلا من أن يرى فيهما الديكتاتور رأسمال بشري لا غنى عنه لمستقبل مصر فإنه يلقي بهما في السجن.

 فالحكام الديكتاتوريين لا يحتاجون – بل لا يطيقون – المواهب الخلاقة المستقلة.

 ما يحتاجونه كي يحافظوا على ديكتاتوريتهم هو مجموعة من المتملقين، مثل منتدى شباب العالم الذي يدعمه السيسي. لكن البلد نفسها لا يمكنها التقدم للأمام بحق، سياسيا أو اقتصاديا، بينما تدمر بانتظام رأسمالها البشري هكذا.

وبالإضافة الى انتهاك حقوق المواطنين وإهدار مواهب نادرة مثل تلك، فإن هذه الأحكام ومثيلاتها تجرف بقية الاستقلال وحسن السير المتبقي لدى القضاء المصري. فكر في القاضي الشاب الذي ترأس هذه المحكمة وفي أعضاء النيابة العامة وكل من شارك في هذه المهزلة القضائية، كيف سيواصلون عملهم بعد ذلك وعلى أي منوال؟ كيف ستكون علاقتهم – هم وكل زملائهم في القضاء – بمن يمسك زمام السلطة؟ وما هو أثر ذلك كله على مستقبل حكم القانون في مصر، سواء فيما يتعلق بحماية حقوق المواطنين أو بتوفير المناخ والمصداقية اللازمة لعمل الاقتصاد؟

تبديد الأصول

هذه هي المشكلة الأعمق للديكتاتورية: ففي سعيها لضمان السيطرة الكاملة تقمع أي معارضة أو استقلال من جانب الواقعين تحت سلطتها بما في ذلك مؤسسات الدولة نفسها. 

فالديكتاتور الناجح يدمر استقلال كل الأطراف المحيطة به بحيث لا يتبقى حوله سوى الفراغ. وهكذا يصبح هو الخيط الوحيد الذي يبقي البلد متماسكا والمصدر الوحيد للإلهام وللقرارات – أي الشيء الوحيد الذي يحول بين البلد والفوضى.

 لكن أي ديكتاتور يسقط في نهاية المطاف، ساحبا البلد كلها نحو الفوضى التي كان الكل يخشاها، حتى يظهر ديكتاتور جديد ويحل محله. هكذا أصبح السيسي ديكتاتورا بعد عدة سنوات من سقوط حسني مبارك، وهكذا غالبا سيحل محله ديكتاتور مصر القادم.

إدارة بايدن وحقوق الإنسان

كي تتمكن مصر يوما ما من الخروج من هذه الدائرة الجهنمية، أو كي يكون لديها فرصة للتحول في المستقبل الى دولة ناجحة، يجب وقف اعتداءات ديكتاتورها على رأسمالها البشري واستقلال مؤسساتها.

 وتتحمل إدارة بايدن التي منحت لتوها أكثر من مليار دولار للنظام الديكتاتوري في مصر مسئولية خاصة في صد مثل هذه الاعتداءات الصارخة والمدمرة. 

صحيح أن الإدارة تعطي الأولوية لاعتبارات الأمن الإقليمي على حساب حقوق الإنسان، إلا أنه يجب عليها في نفس الوقت اتخاذ خطوات لضمان عدم تمويلها لعملية تجريف فرص مصر في التعافي مستقبلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى